
في تطور علمي يُبشر بثورة في كل من مجالي الطب وإعادة التدوير، تمكن علماء من تعديل بكتيريا وراثياً لتقوم بتحويل النفايات البلاستيكية إلى باراسيتامول – وهو أحد أكثر الأدوية المسكنة للألم استخداماً في العالم. هذه الخطوة غير المسبوقة تجمع بين البيولوجيا الصناعية والاهتمام المتزايد بالاستدامة البيئية، وتفتح الباب لعصر جديد من تصنيع الأدوية من مصادر غير تقليدية.
🧪 ما هي الفكرة الأساسية؟
الفكرة ببساطة تعتمد على "الهندسة الوراثية الدقيقة"، إذ قام الباحثون بإدخال جينات جديدة في الحمض النووي لبكتيريا قادرة على تحطيم البلاستيك (مثل بولي إيثيلين تيرفثالات PET). هذه الجينات تجعل البكتيريا تُنتج سلسلة من الإنزيمات التي تُحول جزيئات البلاستيك إلى مكونات كيميائية أولية يمكن منها تصنيع الباراسيتامول.
ووفقًا لما نشره الفريق البحثي في ورقة علمية تمت مراجعتها مؤخرًا، فإن معدل التحويل تجاوز التوقعات الأولية، ووصل إلى مستويات تُنافس بعض طرق التصنيع الكيميائية التقليدية.
♻️ لماذا يُعد هذا الاختراع ثورياً؟
-
إعادة تدوير البلاستيك: بدلًا من تكدّس النفايات البلاستيكية في المحيطات والمكبات، يمكن استخدامها كمادة خام لإنتاج أدوية مفيدة.
-
صناعة دوائية صديقة للبيئة: تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في تصنيع الأدوية.
-
خفض التكاليف على المدى الطويل: مع تحسين التقنية، يمكن أن تصبح أرخص من الإنتاج التقليدي.
-
تحقيق الاكتفاء المحلي للدول النامية: توفير دواء شائع كالباراسيتامول من نفايات بلاستيكية محلية.
🧬 كيف تعمل هذه البكتيريا بالتفصيل؟
-
المرحلة الأولى: البكتيريا المعدّلة تكسر جزيئات البلاستيك إلى وحدات كيميائية بسيطة مثل حمض التريفثاليك والإيثيلين جلايكول.
-
المرحلة الثانية: تدخل هذه الوحدات في تفاعلات داخل الخلية البكتيرية تُنتج مركبات وسطية تُشبه البنية الأساسية للباراسيتامول.
-
المرحلة الأخيرة: إنزيمات خاصة تُحوّل هذه المركبات إلى باراسيتامول نقي قابل للاستخدام الطبي.
🔍 ما التحديات أمام التطبيق العملي؟
-
التوسع الصناعي: لا يزال الأمر في المختبر، ويحتاج إلى تطوير في المصانع.
-
الأمان الحيوي: ضمان أن هذه البكتيريا لا تخرج عن السيطرة في البيئة.
-
الجدوى الاقتصادية: تحسين كفاءة التحويل وخفض تكاليف التشغيل.
🌱 نظرة مستقبلية
في عالم يعاني من أزمات نفايات متزايدة ونقص في الوصول إلى أدوية آمنة ورخيصة، تمثل هذه التكنولوجيا تقاطعًا عبقريًا بين حاجتين ملحتين: حماية البيئة وتحسين الصحة العامة.
ومع التقدم المستمر في علم الأحياء التركيبية والبيولوجيا الجزيئية، من المتوقع أن تظهر تطبيقات أخرى مماثلة: تحويل النفايات إلى مضادات حيوية، أو تصنيع فيتامينات ومعادن من مكونات عضوية تالفة.
هذه التقنية ليست مجرد حلم علمي، بل مسار واعد نحو مستقبل أكثر ذكاءً واستدامةً.