
في أعماق الطين والرواسب البحرية، حيث يسود الظلام والضغط العالي وتنعدم الحركة، اكتشف العلماء كائنًا حيًا غريبًا لا يشبه أي شكل من أشكال الحياة التي نعرفها — كائن قادر على نقل الكهرباء عبر جسده مثل الأسلاك المعدنية.
هذه الكائنات، التي أُطلق عليها لقب "الكائنات السلكية" أو "كائنات الكهرباء الحيوية" (Electric Cable Bacteria)، تمثل واحدة من أكثر الاكتشافات غرابة وإثارة في عالم الأحياء الدقيقة.
⚡ ما هو هذا الكائن الغامض؟
هو نوع من البكتيريا الطولية التي تنتمي إلى مجموعة "Desulfobulbaceae"، تعيش في التربة البحرية المشبعة بالكبريت والمواد العضوية. لكن المختلف في هذه البكتيريا، أنها تشكل خيوطًا طويلة تنقل الإلكترونات لمسافات تصل إلى عدة سنتيمترات، وهو رقم ضخم في عالم البكتيريا!
ما يعنيه هذا، ببساطة، أن هذه الكائنات قادرة على نقل التيار الكهربائي داخل أجسامها، وكأنها شبكة كهربائية مصغرة حيّة!
🔬 كيف تعمل؟
في أحد طرفي الخلية، تتغذى البكتيريا على المركبات الكبريتية وتُنتج إلكترونات، ثم تنقلها عبر سلاسل خلوية مترابطة إلى الطرف الآخر حيث تُطرح في الأوكسجين الموجود على سطح التربة.
هذا النظام يعادل "دائرة كهربائية بيولوجية" كاملة تعمل باستمرار، دون أي أسلاك معدنية أو بطاريات. إنها أول مرة في التاريخ يُثبت أن كائنًا حيًا بسيطًا يمتلك نظامًا لتوصيل الكهرباء داخليًا بهذا الشكل المنظم.
🧠 لماذا هذا الاكتشاف مهم؟
-
يعيد تعريف مفهوم الحياة: لفترة طويلة، كان يُعتقد أن نقل الكهرباء وظيفة صناعية أو عصبية فقط، لكن هذه البكتيريا تثبت أن الحياة البدائية نفسها يمكن أن تكون كهربائية!
-
ثورة في التكنولوجيا الحيوية: العلماء الآن يدرسون إمكانية استغلال هذه البكتيريا في إنتاج الطاقة الحيوية أو تطوير مستشعرات بيولوجية متقدمة، أو حتى في معالجة التلوث.
-
فهم بيئي جديد: هذه الكائنات تلعب دورًا أساسيًا في التوازن البيئي البحري، من خلال نقل الإلكترونات وتثبيت مستويات الأوكسجين، دون أن نعلم بوجودها طوال هذا الوقت!
🌌 هل يمكن أن يكون لها تطبيقات مستقبلية؟
-
بطاريات حيوية صديقة للبيئة
-
أجهزة استشعار لقياس التلوث البيئي
-
شبكات نقل طاقة في النظم الحيوية المصغرة
-
نماذج للتصميم الإلكتروني البيولوجي
العلماء يتوقعون أن تكون هذه البكتيريا مجرد بداية لاكتشافات أعمق في عالم الحياة الكهربائية، خاصة في ظل التقدم الكبير في تقنيات المجهر والـ DNA.
🧬 في الختام:
هذه الكائنات تُعد بمثابة جسر بين العلم الحديث وفهمنا القديم للحياة. ليست مجرد بكتيريا تعيش في الظلام… بل نظام كهربائي حي، يربط بين الكيمياء والطبيعة، بين الحياة والطاقة.
ربما السؤال القادم لن يكون فقط "كيف تعمل الكهرباء؟" بل "من يمكنه أن يولدها؟"
ولعلّ الحياة في المستقبل ستكون أكثر كهربائية مما كنا نتخيل!