فينيس غيج… الرجل الذي غيّر فهمنا للدماغ والسلوك إلى الأبد

في عالم الطب الحديث، هناك قصص تُروى ليست لمجرد إدهاش، بل لأنها شكّلت نقطة تحول في مسيرة العلم. واحدة من أبرز هذه القصص هي قصة فينيس غيج، الشاب الأمريكي الذي أصبح، دون أن يدري، موضوعًا للدراسة والجدل الطبي حتى يومنا هذا.

🚨 حادثة لا تُصدق… لكنها حقيقية!

في ظهيرة يوم 13 سبتمبر عام 1848، وقع حادث في أحد مواقع إنشاء السكك الحديدية بولاية فيرمونت الأمريكية. كان فينيس، ذو الـ26 عامًا، يعمل كمشرف على طاقم التفجير. وبينما كان يستخدم قضيبًا معدنيًا لطول يتجاوز المتر لتعبئة البارود، وقع انفجار مبكر أطلق القضيب بسرعة هائلة.

النتيجة؟ اخترق القضيب خدّه الأيسر، مرّ عبر قاعدة الجمجمة، وصعد من خلال الفص الجبهي للدماغ، وخرج من أعلى رأسه، ليستقر على بُعد 25 مترًا في الأرض!

لكن الأعجب أن فينيس لم يفقد وعيه. وقف على قدميه، تحدث بهدوء، وسار بنفسه أكثر من كيلومتر إلى عربة الإسعاف. قال للطبيب:

"أعتقد أنكم ستجدون شيئًا غريبًا في رأسي يا دكتور."

🧠 عندما تتغيّر النفس… ويبقى الجسد

نجا غيج من الموت بأعجوبة. تعافى جسديًا، واستعاد قدراته الحركية، وواصل حياته. لكنه لم يكن نفس الشخص. انقلبت طباعه رأسًا على عقب: من شخص هادئ ومنضبط إلى إنسان سريع الغضب، قليل الاحترام، عدواني، ومندفع. زملاؤه قالوا: "هذا ليس فينيس الذي نعرفه."

هنا بدأ العالم الطبي بطرح أسئلة كبرى:

  • هل هناك مركز في الدماغ مسؤول عن السلوك والشخصية؟

  • هل يمكن أن يؤدي تلف في منطقة واحدة إلى تغيير جذري في هوية الإنسان؟

🧬 بداية ثورة في علم الأعصاب

جاءت الإجابات تباعًا… فحادثة غيج شكّلت الأساس لما أصبح لاحقًا "علم الأعصاب السلوكي". أدرك العلماء لأول مرة أن الفص الجبهي يلعب دورًا محوريًا في ضبط المشاعر، اتخاذ القرار، السلوك الاجتماعي، والشخصية. حادثة غيج كانت بمثابة دليل حي على أن الدماغ ليس فقط مركزًا للحركة والكلام، بل للعقل، والهوية، وحتى الأخلاق.

جمجمته، المحفوظة حتى اليوم في متحف جامعة هارفارد، تُستخدم في أبحاث ودروس علم الأعصاب. وأصبحت قصته تُدرّس في كليات الطب وعلم النفس كدليل حي على العلاقة بين الدماغ والسلوك.

❓ فهل تتغيّر النفس… إذا تغيّر الدماغ؟

تبقى قصة فينيس غيج مفتوحة التأويل. فهي لا تُظهر فقط هشاشة الإنسان أمام حادث غير متوقع، بل تُثير سؤالًا وجوديًا:

هل ما نحن عليه هو محض كيمياء كهربائية داخل الدماغ؟ أم أن هناك ما يتجاوز المادة؟

 

2025 © جميع الحقوق محفوظة - اخبار الصحة والتعليم العالمية